ثمن التردد :
فتاة يتيمة الأب منذ أن كانت بالمرحلة الابتدائية من عمرها، قامت والدتها بتربيتها وأخويها، لكن الأم كانت تحب ابنتها أكثر من أي أحد بهذه الحياة؛ كبرت الفتاة وأصبحت بالمرحلة الثانوية العامة، بالرغم من كل الظروف المادية المتعسرة إلا أن والدتها عهدت إلى تعليمها تعليما عاليا حتى يرتفع شأنها، لكن الفتاة كانت لا تعبأ لأي شيء ودائما ما تقدم الأعذار والمبررات، لم تجتهد بدراستها بل كانت مهتمة بمظهرها أمام الجميع، كانت تفضل قضاء ساعات أمام المرآة على الدراسة.
لم تقص منها والدتها على الإطلاق على أمل أن تكون طبيبة لها بيوم من الأيام تفخر بها ويعوضها الله عن كل سنوات العناء والشقاء وتقر عينها برؤيتها لحبيبة قلبها بأعلى المراتب وأرفع الدرجات؛ ولكن جاءت الفتاة بأقل الدرجات، دخلت على إثرها كلية آداب قسم لغة عربية، لم تصمت الفتاة وتشعر بالذنب إلا أنها مازالت تعطي المبررات والأعذار وتقلل من نزاهة مصححي الامتحانات على الرغم من دخول البعض من أصدقائها إلى كليات قمة كالطب والصيدلة وهندسة أيضا.
رضيت الأم بقضاء الله وقدره ولم تستسلم فمازالت توصي ابنتها بحصولها على أعلى التقديرات بجامعتها لحصولها على وظيفة، لقد عانت الوالدة كثيرا بسبب وفاة زوجها بوقت مبكر، عملت بمهنة الخياطة واستطاعت التكفل بكل نفقات الحياة، لذلك دائما ما أرادات لأبنائها حياة أفضل من حياتها، وعلى الرغم من كوناه امرأة أمية إلا أنها كانت تقدس التعليم.
لم تتعظ الفتاة ومازالت في طباعها ومعتقداتها مستمرة، كانت لا تعبأ بحال والدتها، أهم شيء عندها حسن المظهر والانطباع عنها أمام الآخرين، لقد كانت أيضا محبة كثيرا لوالدتها وعطوفة أيضا، وبأول عام جامعي رسبت به الفتاة وكانت قسمة ظهر بالنسبة لوالدتها، أراد شقيقها الأكبر إخراجها من الجامعة وتزويجها بعدما فشلت في تعليمها بأول عام، لكن والدتها تحدت الجميع وأصرت على إتمام تعليمها وأعلنت موضحة أنه لا أحد منهم تكفل معها في تربية وتعليم أبنائها، أما بالنسبة لابنها فأعلنته أنها لن تأخذ جنيها واحدا وتنفقه على شقيقته.
أتمت الفتاة تعليمها الجامعي ولكنها على الرغم من كونها متقدة الذكاء إلا أنها ضيعت نفسها بيدها، لم تستثمر ذكائها بحصولها على درجات سامية بالمجتمع ومساعدة والدتها، أعلم أن كل شيء بالحياة قدر ونصيب إلا أن خالقنا سبحانه وتعالى لا يضيع أجر عباده، فلكل مجتهد نصيب هكذا تعلمنا، بالجامعة أعجب بالفتاة شقيق صديقتها المقربة، وكان من عائلة تفوق المكانة الاجتماعية لعائلة الفتاة، ولكنه أحبها بشدة وكان وحيدا لثلاثة شقيقات بنات، أرادت والدته تزويجه من فتاة بنفس المستوى الاجتماعي إلا أنه لم يسلم في حبيبته.
بالفعل بعد صراع مع والديه تمكن الشاب من التقدم للفتاة، وتمت الموافقة عليه، مازالت صاحبتنا تريد ألا ترى أقل من أهل زوجها، أجبرت والدتها على شراء جهازها من أغلى وأجود الأنواع بالرغم من أن والدتها قامت بتقسيطه كاملا، فاضطرت بذلك دفع أضعاف سعره، لأن الفتاة كانت ترغب ألا تعيش في جو عائلتها أكثر من ذلك، فقد تعودت على الحياة المترفة بعد عيشها حياة الجامعة كما أرادت.
تزوجت الفتاة، وتتابعت بعد ذلك المشاكل بسبب عدم رضا والدي الشاب عن زوجته، عاملوها معاملة قاسية، واصلت الفتاة متابعة حياتها مع أهله، فزوجها كان يحبها حبا شديدا ويعوضها بحنانه عن قساوة أهله معها، كانت تعاني من معاملة شقيقاته البنات وغيرتهن التي فاقت كل الحدود، في البداية كانا يسكنا في شقة مستأجرة بعيدا عن أهله، وبعدها حكم عليهما بأن يؤجرا الشقة التي تعلو شقة أبيه.
وبيوم من الأيام حتى زوجها تغير عليها في معاملته، فأصبح قاسي القلب وصعب المراس، مهما فعلت لا تنال رضاه، ضاقت بها الأرض بما رحبت إلى أن وجدت نفسها تطرق باب أهلها فجرا، قصت الحكاية من البداية للنهاية، استمرت في منزل أهلها إلى أن أتمت العام والنصف، وكان كلما أرسل في طلبها لا يستجيبون له، إلى أن جاء ووضع أخيها شروطا قاسية لعودة شقيقته معه، وافق الزوج بعدما أيقن أنه لن يستطيع الاستغناء عنها بسبب مدى حبه لها وتعلقه بها، وقد تبين له مدى كره أهله لها، وتعمدهم في إظهار الكره.
عادت الزوجة إلى منزلها وتابعت مع زوجها حياة سعيدة لم ينغص عيشهما إلا فكرة تأخر الإنجاب، ذهبا للطبيب والذي ذكر بأن الزوج لديه عيب خلقي ولن يستطيع الإنجاب بشكل طبيعي، وإذا أرادا الإنجاب عليهما بالحقن المجهري.
الفتاة مترددة في اتخاذ مثل هذا القرار، تتوق لرؤية أطفالها ولكنها عندما تتذكر أفعال أهل زوجها ومدى قدرتهم على قلب زوجها ضدها ترفض الموضوع نهائيا، ومازالت مستمرة في حيرتها.
تعليقات
إرسال تعليق